الأحداث العالمية الأخيرة وتأثيراتها على الحركة الكشفية


                                 نظرة للتاريخ

استطاعت الحركة الكشفية والإرشادية -لزمن طويل- أن تنأى بنفسها عن المعترك السياسي، انطلاقا من منطوق تعريفها أنها : (حركة تربوية غير سياسية مفتوحة للجميع دون تمييز في الأصل أو الجنس أو العقيدة، وفق المبادئ والأسس التي وضعها مؤسس الحركة الكشفية اللورد بادن باول).

ورغم أن الحركة تعرضت لهزات عنيفة إبان الحرب العالمية الثانية عام 1936م، وحتى عام 1941م؛ حيث توقفت الأحداث العالمية لفترة من الزمن، إلا أنها استطاعت –آنذاك- أن تقوم من عثرتها، وكان عنصر القوة في الحركة نابع من أن أعضائها في مختلف البلدان التي دخلت الحرب كانوا يمثلون الصف الثاني للجيوش من خلال أدائهم للخدمات التطوعية الجليلة لبلدانهم في مجال إغاثة المنكوبين، وأعمال الدفاع المدني، والإسعافات الأولية للجرحى، وخلاف ذلك من الخدمات.
الأمر الذي ولد لدى تلك المجتمعات الثقة في تلك الحركة الشبابية الناهضة، ولكونها حركة تهدف إلى المساهمة في تربية النشء وإعدادهم الإعداد الصحيح، نظرت المجتمعات الأوروبية المتحاربة آنذاك -فترة ما بعد الحرب العالمية- إلى الحركة الكشفية على أنها مؤهلة للقيام بدور عالمي لترسيخ فكرة الإخاء والسلام العالمي، والدعوة لأن تكون الحركة الكشفية والإرشادية هي حركة للسلام وتكريس روابط الأخوة والصداقة بين الشباب في العالم، من خلال عقد مزيد من اللقاءات والمخيمات والأنشطة بين حركات الكشافة والمرشدات في تلك الدول.
كانت هناك حاجة ماسة لدى الجميع لإزالة الآثار النفسية للحرب لدى جيل صاعد من الشباب، فلا يمكن أن يتصور –على سبيل المثال- أن تظل صورة ألمانيا لدى الشباب الفرنسي، هي صورة النازي الغاصب المدمر لبلدهم، ولم يكن من المتصور أن تظل أمريكا لدى الشباب الياباني، هي صورة الوحش اللاإنساني الذي يقتل مئات الآلاف من المدنيين بقنبلة واحدة تلقى على هيروشيما.
تباين الغايات
بعد فترة من الحرب التي حصدت عشرات الملايين من البشر هنا وهناك، أحست شعوب العالم برغبتها في نسيان تلك الصفحة المريرة في التاريخ البشري، وكان لابد من طي هذه الصفحة، وبناء جدران جديدة من الثقة في المجتمع العالمي الذي بادر إلى بناء مؤسسات دولية تكرس مثل هذا الشعور الجماعي بالتضامن، وبشكل يوفر للجميع الأمن والاستقرار.
في الجهة المقابلة للمجتمع الغربي كان لدى الحركات الكشفية والإرشادية في المجتمع العربي غايات أخرى غير إزالة الآثار النفسية للحرب العالمية، وتمثلت تلك الغايات في المساهمة بلعب دور وطني في حركة التحرير من المستعمر الأجنبي، ومحاولة إيجاد شكل من العمل الكشفي العربي المشترك، وبدأ ذلك مقترنا بظهور حركة القوميين العرب عام 1934م حيث أقيم تجمع للشباب العربي في بلودان بسوريا، ثم عقد تجمع كشفي عربي آخر عام 1938م في نفس المكان، وشهدت تلك الفترة حتى بداية الخمسينات من القرن الماضي تبادل للزيارات بين شباب الكشافة من مختلف البلدان العربية في كل من لبنان، وسوريا، ومصر، وفلسطين، والعراق، والأردن، وتونس، واستمر ذلك حتى عام 1954م، حيث أعلن تأسيس التنظيم العربي للكشافة برعاية من جامعة الدول العربية.
وشهدت تلك المرحلة وما بعدها الثورات وحركات التحرر في البلدان العربية والتي استمرت حتى العقد السابع من القرن الماضي، وفي عديد من البلدان العربية اعتبرت الحركة الكشفية شريكة في الكفاح الوطني ضد المستعمر، وفي بلدان أخرى اعتبرت الحركة الكشفية شكل من أشكال النشاط الشبابي المنظم.
نخلص من تلك المقدمة إلى أن الحركة الكشفية لم تكن غاياتها واحدة في يوم من الأيام ولا في كل مكان، وكما أسلفت أنه في الفترة التي كان ينظر فيها الغرب للحركة على أنها وسيلة لإزالة الآثار النفسية للحرب وتكريس فكرة الإخاء والسلام العالمي، كان ينظر إليها العرب على أنها وسيلة لإزالة سلطان الغرب المتمثل في الاستعمار، وتكريس فكرة الإخاء العربي.
منطلق جديد
منذ مطلع السبعينات بدأت الحركة الكشفية في العالم تنحى منحا جديدا في سياستها، يستهدف البحث عن دور لها في المجتمع، باعتبار أن الحركة لا يمكن أن تنعزل عن المجتمع وأن أعضاءها لابد أن يكون لهم دور في عملية التنمية، وبادرت المنظمة الكشفية العالمية إلى توسيع دائرة مشروعات خدمة وتنمية المجتمع لتشمل دور الجوالة في: توفير الإنتاج الغذائي، وفي مكافحة الأمراض المستوطنة، وفي التكنولوجيا، وفي توفير الطاقة واستخدام المصادر البديلة مثل الشمس، وفي . . وفي حتى في إنتاج البيض، وتربية الأرانب والدجاج.
اكتشاف متأخر
استمرت تلك المرحلة لمدة عقدين من الزمن حتى بداية العقد التاسع من القرن الماضي، وعندها بدأت المنظمة الكشفية العالمية تكتشف أنها تلعب الدور الخطأ، وأصبحت مواجهة بمشاكل عديدة تتطلب نظرة جديدة إلى سياستها وإلى مهمتها ووظيفتها، وتكريس دورها في بناء الفرد، فوضعت لذلك أول استراتيجية طويلة المدى لحل المشكلات والسعي للتقدم على المستوى العالمي وربط ذلك باستراتيجيات تم وضعها على المستوى الإقليمي والوطني، مع وضع سياسات جديدة للبرامج والتنمية القيادية، والتمويل، والعلاقات، والسعى لتطوير الهيكليات، والترويج لفكرة برامج التوأمة بين الفرق والجمعيات في أنحاء العالم، وصاحب ذلك انفتاح على المنظمات الدولية الأخرى التي تشترك في جوانب من الأهداف العامة. لكنها في ظل هذا الخضم من تجميل الشكل الخارجي للحركة يبدو أنها غفلت عن: الكشفية لمن؟، والكشفية لماذا؟ وماهية الكشفية؟ فعادت للبحث عن ذلك في نهاية القرن الماضي، ومطلع الألفية الثالثة.
صيغ للتقارب
كذلك شهدت تلك الفترة إيجاد صيغ للتقارب بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب وكان منطلقها المؤتمر الكشفي الدولي الذي عقد في المغرب عام 1993م تحت شعار (كشفية بلا حدود)، وشهد الإقليم العربي أنشطة مثل: ندوات التربية من أجل السلام، واللقاءات الدورية للتعاون بين الإقليمين العربي والأوروبي، والعربي والأفريقي، واللقاءات الدولية لتبادل الحضارات والثقافات . . . ورحلات السلام وغيرها. إلى جانب عقد ندوات لتنسيق العمل الكشفي المشترك تجمع بين الإقليم الكشفي العربي وغيره من الأقاليم مثل الإقليم الأوروبي والأفريقي والأسيوي. .  وغيره.
وكان القاسم المشترك الأعظم في تلك الفعاليات هو تذويب العلاقات بين الشباب العربي وغيره من الأقاليم الأخرى، والانفتاح على الثقافات الأخرى، وتعريف المجتمع الغربي بثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، في محاولة أن يتقبلنا الآخر، الذي قد لا يعرف عنا شيئا، أو لا يتقبلنا اعتقادا منه أننا متخلفون أو لا حضاريون، أو لأننا قوم لا زلنا نركب الجمال، وحياتنا قفر في الصحراء، أو لأننا لا نضاهيه ثقافة وعلما وتجربة، أو لعصبية دينية أو سياسية تجعله ينفر من الاحتكاك بالشباب العربي أو بالمجتمع العربي.
الدور المفقود في الأحداث العالمية
لا يمكننا أن نتعرض لصيغ التقارب دون أن نعرج على دورنا في الأحداث العالمية للكشافة والمرشدات، وقد بدأ البحث عن هذا الدور مبكرا عندما طرح كشاف سوريا عام 1953م أثناء انعقاد المؤتمر الكشفي العالمي فكرة استضافة المخيم الكشفي العالمي، وقوبل ذلك بالرفض نتيجة تضامن معظم الدول الغربية مع كشافة اسرائيل؛ لكونها لن تستطيع المشاركة في حدث كشفي عالمي يقام على أرض عربية، ولربما كان ذلك الموقف هو المحرك للقيادات الكشفية العربية في ذلك الوقت لتنظيم أول مخيم ومؤتمر كشفي عربي عام 1954م.
وتوالت مشاركة الوفود العربية في المؤتمرات والمخيمات الكشفية العالمية التي تعقد دوريا كل أربع سنوات، لكن السؤال هو مامدى تأثير المشاركة العربية في الأحداث الكشفية والإرشادية العالمية على نقل الثقافة والحضارة العربية للآخرين؟
فإذا كنا نتحدث عن الرقصات والأكلات الشعبية، والأزياء التقليدية فقد استطعنا واستطاعت وسائل الإعلام أن ترسخ لدى المجتمع الغربي أن العرب هم هؤلاء القوم الذين يرتدون الطربوش أو الغترة والعقال، في مشهد فلكلوري، لكن ماذا يعرف عنا الآخرون غير ذلك؟ وهل نحن فعالون حقا في تلك الفعاليات؟.
إن أغلب الوفود المشاركة في تلك الأحداث تقف متفرجة منبهرة بما يدور حولها، مدركة أو غير مدركة لسير الأنشطة والفعاليات، منغلقة في أغلب الأحيان على نفسها، قليلة العدد، وغير قادرة على المنافسة، فلو نظرنا إلى آخر أربع مخيمات كشفية عالمية على سبيل المثال: في استراليا عام 1986م، وكوريا عام 1991م، وهولندا عام 1995م، وشيلي عام 1999م، نجد أن عدد المشاركين من الوفود العربية لا يتجاوز المائة في كل مخيم عالمي منها مقارنة بأعداد المشاركين في كل مخيم التي تصل إلى أكثر من ثلاثين ألفا في المخيم الواحد؛ نجد أننا لا نشكل غير نسبة (0.03 %) من عدد المشاركين، وفي الوقت الذي تشارك فيه إحدى الجمعيات الكشفية العربية -على استحياء- بعشرة كشافين؛ نجد في المقابل دولة أخرى أوروبية أو أسيوية تشارك بعدد (2500 كشاف)، فكيف يمكن وهذه هي الحال أن يكون لدينا تأثير؟ غير أن نكون في زمرة المتفرجين على تلك الأحداث. بالأمس القريب في المؤتمر الكشفي العالمي بدوربان بجنوب أفريقيا استطاعت الكشافة التونسية أن تنتزع الموافقة على استضافة المؤتمر الكشفي العالمي عام 2005م، ولعلها تكون البادرة العربية الأولى في ذلك الاتجاه التي ترق إلى حيز التنفيذ.

ملمح حول نظرة بعض المسؤولين عن الحركة لنا كعرب
أذكر أنه في المخيم الكشفي العالمي السابع عشر بكوريا عام 1991م، عندما واجهتنا نحن الوفود العربية المشاركة مشكلة عدم اعتداد المسؤول عن إصدار الجريدة اليومية للمخيم -التي كانت تصدر باسم (سوراك ديلي)- بما كنا نمده به من أخبار أو تقارير وصور عن مشاركة الوفود العربية، وعندما واجهته بهذا الأمر قال: ومن أنتم، إنكم عشر دول مشاركة ممثلين بسبعين كشافا، فانظر لوفد مثل: اليابان أو انجلترا ممثل بألفين وسبعمائة كشاف، قبل أن تحدثني عما تسميه بالوفود العربية!. رغم أن الشخص المعني كان ولازال هو مدير العلاقات والإعلام بالمنظمة الكشفية العالمية، وقد ظل إلى نهاية المخيم على موقفه رغم تدخل السكرتير العام للمنظمة الكشفية العالمية في الأمر، وبذلك كشف قناعه في النهاية عن وجه عنصري متعصب غير سليم النية تجاه العرب. وأعتقد أن هذه النظرة الدونية للغير هي النظرة السائدة لدى الغربيين تحديدا تجاه كل ماهو عربي. وبحال من الأحوال لا يمكننا أن نفصل أعضاء الحركة الكشفية عن المجتمعات التي خرجوا منها، فهم يحملون اتجاهاتها، وصفاتها، وموروثاتها، وأفكارها، فالإنسان ابن بيئته.

هل حقا لا علاقة للكشفية بالدين؟
كما ذكرت في المقدمة أن الحركة الكشفية في تعريفها: (حركة تربوية غير سياسية؛ دون تفرقة في الأصل أو الجنس أو العقيدة . . . )، وكأنما كان مؤسس الحركة الكشفية (بادن باول) مدركا منذ البداية إلى أن الحياد في مسألتي السياسة والدين هما عنصرا الاستمرار لهذه الحركة ما دامت بعيدة عن هذين الأمرين الشائكين.
ورغم ذلك لم تنح الحركة الكشفية ولا الإرشادية هذا المنحى بشكل مطلق، ففي كثير من الدول الغربية نشأت الحركة وترعرعت في أحضان الكنيسة، وكما نعلم أن الكنيسة الأوروبية مقسمة إلى أرثوذكس، وبروتستانت، وكاثوليك؛ لذا كانت كل كنيسة منها حريصة على أن تنشئ فرقا كشفية وإرشادية لأبناء رعاياها.
كما لا نستطيع أن نتغافل عن أن الحركة الكشفية في المنطقة العربية كان أول من احتضنها هو المؤسسة الدينية الإسلامية أيضا كما حدث في لبنان على يد الشيخ الجليل توفيق الهبري الذي أنشأ عام 1912م أول فرقة كشفية في الوطن العربي عرفت باسم الكشاف العثماني، ثم بعد انهيار الدولة العثمانية عدل المسمى ليكون الكشاف المسلم اللبناني، والذي خرج من عباءته كشاف سوريا، كما أنشأت الكشافة الإسلامية في كل من فلسطين والأردن، وفي مصر كانت كشافة الشبان المسلمين المصرية من أقوى الفرق التي تم تأسيسها أنذاك فترة الثلاثينيات ومن بينها (الجوالة الثانية) التي خرجت عدد كبير من رواد الحركة الكشفية في مصر والعالم العربي. كذلك استفاد جماعة الإخوان المسلمين من نشاط الجوالة حيث أسس الإمام حسن البنا زعيم الإخوان أنذاك جوالة الإخوان المسلمين التي اتخذت منحى جهادي ساهم في العمليات الفدائية في فلسطين مابين 1942-1948م. وفي تونس والجزائر والمغرب تأسست في الثلاثينيات جمعيات كشفية باسم الكشاف المسلم التونسي، والكشفية الإسلامية الجزائرية، والكشاف المسلم المغربي.
ولو عدنا إلى تحليل هذه الظاهرة في المجتمع العربي لوجدناها أخذت هذه المسميات لعدة أسباب منها: إقناع المجتمع العربي الذي ينطلق من منطلق ديني بعدم وجود أي شبهة في هذه الجمعيات الكشفية؛ فرغم أن مؤسسها عالميا هو لورد إنجليزي، وضابط سابق في الامبروطورية المستعمرة، إلا أن هذه الحركة تنطلق عربيا من خلفية عربية إسلامية صرفة، ولم تأخذ من الحركة العالمية سوى الشكل والتنظيم، وهذا ما جعل البعض يطلب من فضيلة الشيخ المرحوم أحمد عبده الشرباصي أن يكتب كتابه المعروف (الحركة الكشفية عربية الأصول والمصادر).
ومن ناحية أخرى أراد مؤسسوا الحركة الكشفية العربية أن يميزونها عن الحركات الكشفية الأجنبية التي كانت تصاحب الجاليات المستعمرة في مختلف البلدان العربية آنذاك. ومن ناحية أخرى كان الاتجاه الإسلامي يقود حركة الجهاد ضد المستعمر في العديد من البلدان العربية، فكان من الطبيعي أن يذَيل اسم هذه الجمعيات بالإسلامية تماشيا مع هذا الاتجاه.
وقد تنفرد لبنان في ذلك الأمر نتيجة التعددية الطائفية بها بالعديد من الجمعيات الكشفية والإرشادية الوطنية ذات الصبغة الدينية فنجد فيها مثلا: جمعية كشفية تتبع الطائفة الشيعية مثل: كشافة الجراح، والكشاف العاملي، وأخرى تتبع الكنيسة الكاثوليكية، وأخرى للبروتوستانت، وأخرى للموارنة، وواحدة للأرمن، وأخرى للأحباش المسماة بكشافة المشاريع، بل وأن بعض الجمعيات تشكلت من منطلق أيدولوجي سياسي مثل: الكشاف التقدمي إلى آخر ذلك من التنويعات الطائفية والعرقية والسياسية.
ما مدى علاقة الكشفية بالسياسة؟
يتضح لنا مما سبق أن الحركة الكشفية لا نستطيع الجزم ببعدها عن معترك السياسة بحال من الأحوال، وهناك العديد من المواقف التي تدعم هذا القول، ودعوني فيما يلي أن أستشهد بموقفين على الساحة العربية والدولية يؤكدان ذلك فضلا عن ما سبق ذكره من نظرة تاريخية للأحداث.
* وقف عضوية الكشافة المصرية:
نذكر جميعا ذلك الموقف الذي اتخذته الجمعيات الكشفية العربية في المؤتمر الكشفي العربي الاستثنائي الذي عقد على هامش المؤتمر الكشفي العالمي السابع والعشرين الذي عقد في برمنجهام بإنجلترا عام 1979م، وأتى ذلك إثر الموقف العربي المعارض لمصر في أعقاب موافقتها على مبادرة السلام، وزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى الكنيست الإسرائيلي، وانساقت الجمعيات الكشفية العربية وراء سياسات دولها، فقرروا في ذلك المؤتمر وقف عضوية الكشافة المصرية في المنظمة الكشفية العربية، ونقل مقر الأمانة العامة من القاهرة إلى تونس التي استضافت وقتها مقر جامعة الدول العربية. واستمرت هذه القطيعة مع الكشافة المصرية طوال ما يقرب من عشر سنوات حتى عام 1988م؛ عندما صادق المؤتمر الكشفي العربي الثامن عشر الذي عقد في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة على وقف ذلك القرار وإعادة عضوية الكشافة المصرية، وعودة المقر مرة أخرى إلى القاهرة، وذلك تصديقا على قرار اللجنة الكشفية العربية في دورتها رقم 65 في نوفمبر 1987م المنعقد في عمان بالأردن.
ويجدر بالذكر أن المنظمة الكشفية العالمية لم توافق على نقل مكتبها الإقليمي من القاهرة التزاما منها بمقررات الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية التابعة لها التي كانت تسير جميعها وفق المزاج الأمريكي المدعم للحكومة المصرية كحليف استراتيجي في عملية السلام الناهضة آنذاك. وأي متابع لتاريخ الكشافة العربية يدرك تماما أن هذا الموقف سياسي بالدرجة الأولى دون حاجة جاهدة إلى التفسير والتحليل.
* الاعتراف بالكشافة الفلسطينية عالميا:
الحركة الكشفية في فلسطين حركة أصيلة بدأت مع بدايات الحركة الكشفية عالميا حيث تأسست أول فرقة كشفية في فلسطين في مدينة القدس عام 1912م في مدرسة المطران جورج، وفي عام 1920م قررت حكومة الانتداب البريطاني تعميم الحركة في جميع مدارس فلسطين، وفي عام 1944م تأسست جمعية الكشاف العربي الفلسطيني في القدس، والتي اعترف بها المكتب الكشفي العالمي عام 1945م، وبعد النكبة العربية في فلسطين عام 1948م، وقيام الكيان الصهيوني بتأسيس دولة إسرائيل بدعم من إنجلترا، وفي إطار شرعية غابنة من المجتمع الدولى الذي صادق على قرار التقسيم في إطار الأمم المتحدة؛ كان من نتيجة ذلك نهاية الاعتراف العالمي بالكشافة الفلسطينية، وبدلا من ذلك الاعتراف بالكشافة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية. وفي عام 1954م كانت الكشافة الفلسطينية من بين الدول المؤسسة للمنظمة الكشفية العربية أو ما كان يعرف وقتها بالمكتب الكشفي العربي.
ومنذ ذلك التاريخ والكشافة الفلسطينية تسعى جاهدة للحصول على الاعتراف العالمي بها لكن دون جدوى، فقد كانت الكشافة الاسرائيلية ومن يؤيدها يقفون حجر عثرة أمام ذلك الاعتراف شأنه شأن ما حدث في أغلب المنظمات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة، وكان أقصى ما تحقق لها هو حضور المؤتمرات الكشفية العالمية كمراقب منذ عام 1979م. وكان لابد من وجود مخرج لتخطي نص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمنظمة الكشفية العالمية الذي لا يعترف إلا بالجمعيات الكشفية المقامة على أرض ذات سيادة. وبعد توقيع اتفاق أسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993م، والتي نتج عنها قيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية مما مهد لتكثيف زيارات قام بها كل من سكرتير عام المنظمة الكشفية العالمية، والمفوض الإقليمي الأوروبي، ونظيره العربي إلى الأرض المحتلة، وعقد عدة لقاءات مع المسؤولين من الجانب الإسرائيلي لإقناعهم بعدم الممانعة في الاعتراف بالكشافة الفلسطينية في المؤتمر العالمي، وانتهى الأمر بطرح موضوع العضوية على المؤتمر الكشفي العالمي الرابع والثلاثين الذي عقد في أسلو عام 1996م، وصادق المؤتمر على القرار بأغلبية الأصوات مع امتناع إسرائيل عن التصويت كحل وسط يرضيها، وبذلك تم تمرير القرار، وجاء في حيثياته قبول جمعية الكشافة الفلسطينية عضوا بالمنظمة الكشفية العالمية، ومنحها كافة الحقوق الأساسية وسمات العضوية عدا الحق في التصويت. ولعلكم تتفقون معي أن الأمر برمته لا يمكن أن نفصله عن إطار السياسة الدولية.

الكشفية العالمية ومنطلقات دينية وسياسية جديدة
لم تنأ المنظمة الكشفية العالمية بنفسها عن الدخول في لعبة الأديان بل أقحمت نفسها أو أقحم عليها هذا التيار بهدف خفي أو معلن، وتمثل ذلك في إعلانها الاعتراف بالاتحاد العالمي للكشاف المسلم، الذي كان توطئة وسبيلا لاعترافها بالمؤتمر الكاثوليكي العالمي للكشافة، ثم بالرابطة العالمية للكشافة الأرثوذوكس.
ولا يستطيع أي محلل لهذا الواقع سوى أن يدرك ببساطة هذا التقسيم القائم على اعتبار ديني، وإن كان يبدو في الظاهر تحت مظلة الوفاق الكشفي العالمي المتمثل في المنظمة الكشفية العالمية، إلا أنه في الحقيقة سعي حثيث نحو تغذية عصبيات دينية غربية  يقودها أفراد في المنظمة الكشفية العالمية بتوجيهات خارجية. ولا نستبعد الغد القادم الذي يعلن فيه عن مجلس يهودي عالمي للكشافة، فلم لا؟!!!!.
ومن ناحية أخرى سعت المنظمة الكشفية العالمية مع بداية التسعينات في القرن الماضي إلى إيجاد إطار سياسي بهدف دعم وجودها الدولي، وكذلك على المستويات الوطنية، وتمثل ذلك الإطار فيما يعرف بالاستفادة من البرلمانيين الذين كانوا ذات يوم أعضاء في الحركة الكشفية، وأعلن في كوريا الجنوبية عام 1991م، عن تأسيس الاتحاد الكشفي العالمي للبرلمانيين، وتلى ذلك تأسيس اتحادات إقليمية للبرلمانيين، كان من بينها: الاتحاد الكشفي للبرلمانيين العرب، ثم إعلان شعب برلمانية كشفية في كل دولة.
وها قد انقضت عشر سنوات وتزيد على تلك التجربة التي لم تخرج للحركة إلا بمزيد من طابور المنتفعين، ومحبي السياحة الكشفية، ومزيد من الأعضاء غير القادرين على الوفاء بمتطلبات مجتمعاتهم التي أوصلتهم إلى المقاعد النيابية فضلا عن المزاعم بقدرتهم على خدمة الحركة الكشفية، ولم يتعد الأمر بالنسبة لهم سوى إضافة صفة إلى بطاقة تعريفهم.
وإذا خرجنا من إطار الوجاهة الكشفية إلى إطار البعد السياسي الذي يمثله هذا الاتحاد؛ فسوف نكتشف أنه إما شكل من أشكال العولمة التي يريد المجتمع الغربي فرضها على مجتمعات العالم الثالث بغرض تذويب تلك النخب في بوتقة العولمة، أو لتمكين النخب السياسية من السيطرة على الحركات الكشفية. والسيطرة عليها بحكم كونها تمتلك قواعد منتشرة بين فئات الشباب في كل مكان.  

مأزق عالمي في 11 سبتمبر
شهدت الولايات المتحدة كما شهد العالم في ذلك اليوم أحداثا ستبقى شاخصة في الأذهان لعقود طويلة، فلم تكن انفجارات أمريكا بحال من الأحوال مجرد برجي مركز التجارة العالمية اللذين انهارا، لكنها انفجارات في العلاقات الدولية أصابت الجميع بشظاها، وشطرت العالم شطرين أحدهما تمثل في التحالف الدولي ضد الإرهاب، والآخر طرف متهم بالإرهاب، وحاول العم سام الذي كان يبدو طيبا أن يكشر عن أنياب الغضب، فيعربد ويزبد ويهدد، ويلقي بالتهم جزافا تارة، ويسقطها تارة، ثم يعود فيشير بأصابع الاتهام للبعض تارة، ثم يخفض سبابته ليمنح عطاياه السنية بالاطمئنان لمن والاه تارة. هي حرب صليبية تارة، وهي زلة لسان تارة، هي العدالة المطلقة تارة، ثم هي النسر النبيل في نهاية المطاف وليس غايته. وتوجه أمريكا ومن ورائها حلفاؤها أصابع الاتهام للمسلمين والعرب تحديدا؛ مما أثار حفيظة غالبية الشعوب العربية والإسلامية لإسقاط هذه التهمة عليها؛ كذلك أثار حفيظة جميع الغربيين والمجتمع الأمريكي تجاه العرب، فهوجمت المراكز الإسلامية والمساجد في الدول الغربية، وأصيبت الجاليات العربية والمسلمة في تلك البلدان بمضايقات واضطهاد من مختلف الأشكال والألوان، وشق جراب جهنم على العرب جام غضبه، أنت عربي إذن فأنت إرهابي!!، أنت مسلم إذن أنت إرهابي!!.

موقف حي على هامش الأحداث
في الوقت الذي ضربت فيه أمريكا كان هناك ندوة منعقدة في لندن تنظمها الجمعية العالمية للمرشدات حول التعامل مع ذوي الحالات الخاصة، وقد شارك في الندوة قائدتين عربيتين يمثلان دولتين شقيقتين، ومضى يومين من العلاقات الودودة مع جميع المشاركات بمن فيهن هيئة الإشراف المكونة من عضوات من الجمعية العالمية للمرشدات، ولم يكد يحدث ما يحدث يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، حتى تغيرت الوتيرة، وأصبحت القائدتان في قفص الاتهام، وكأنهما أخوات إبن لادن أو بنات عمه، وأصبحن منبوذات من جميع المشاركات الغربيات، والجميع عازف عن الحديث إليهن، أو مشاركتهن الحوار أو مائدة الطعام، فلم يكن أمام تلك القائدتين إلا الانطواء على أنفسهن، ولزوم حجرتهن لحين انتهاء الندوة. وهذه هي أول ريح التغيير وظواهر التأثير التي نقصدها في الموقف الغربي تجاه العرب في الحركة الكشفية والإرشادية.

ناقوس الخطر
لسنا اليوم في حاجة إلى أن نؤكد على مدي الضرر الذي سيقع على أعضاء الحركة الكشفية والإرشادية العربية لدى مشاركتهم في الأحداث الكشفية والإرشادية العالمية القادمة، والذي أتصور أن يأخذ أشكالا عديدة قد يصل بعضها إلى الحد الآتي:
·         رفض المشاركين من الجمعيات الأوروبية مشاركة العرب في بعض البرامج التي تنظم داخل المخيمات.
·         محاولة استفزاز مشاركينا في الأنشطة بما يجرهم إلى احتكاك متوقع بشكل أو بآخر.
·         محاولة عزل الوفود العربية في المخيمات العالمية بأن يتم حشدهم في مخيم فرعي مستقل، وهذا ما حدث بالفعل في المخيمات العالمية الأخيرة.
·         عدم تلبية الجمعيات الغربية لأي دعوة مشاركة عربية في نشاط كشفي أو إرشادي تنظمه إحدى الجمعيات الوطنية أو يقام على المستوى الإقليمي.
·         عدم مساواة الوفود العربية بغيرهم من الوفود الغربية في الخدمات خلال مشاركتهم في الأحداث العالمية.
·         عدم إتاحة فرص متكافئة لمرشحينا من قيادات الكشافة والمرشدات العرب في عضوية اللجان الكشفية والإرشادية العالمية في مقابل نظرائهم من الوفود غير العربية.

خلاصة القول
لعلمي اليقيني أننا كما تعودنا دوما أن نكون ردود أفعال ولسنا أفعال، فلا أتوقع أن نلتفت إلى ما طرحته في تلك الوريقات إلا بعد أن تداهمنا المشكلة وتكون ملمس اليد من كل واحد منا، وقد فكرت قبل أن أختتم مقالي هذا أن أطرح بعض الحلول المقترحة لما يمكن أن نقوم به إذا أردنا أن نتلافى تلكم المشاكل المتوقعة، إلا أنني أشعر أنني أتخطى دوري ككاتب يتلمس من أحداث الماضي ووقائع الحاضر صورة المستقبل، ويبقى الدور على قيادات الحركة الكشفية والإرشادية العربية أن يحزموا أمرهم، فماذا أنتم فاعلون؟ . . . .
إن ما حاولت أن أستقرئه لكم خلال هذا المقال هو أننا لا يمكن أن نتعامل مع الحركة الكشفية والإرشادية بعيدا عن منظور السياسة والدين لأنهما لصيقان بها في سجلها الطويل، ولا يمكن أن تحدد الحركة الكشفية والإرشادية العربية مواقفها بعيدا عن هذا الإطار، ولا ننسى أن المواجهة هي أقصر طرق الحل . . . 
القائد هشام عبدالسلام موسى
شاركه على جوجل بلس

الكاتب youssef

: من , ، ,ب ال

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق