فشل تدبير الشأن الكشفي المغربي



القائد شكيب الرغاي
تأكد لدى المتتبعين والمهتمين بقضايا وأنشطة جمعيات الشباب أن الحركة الكشفية تعيش فترة فتور وتقوقع على ذاتها، وابتعدت عن مواكبة قضايا الفتية والشباب، وعن تلبية حاجياتهم وحاجيات المجتمع. سواء فيما يتعلق بالشأن المحلي أو الشأن الوطني, ولم يعد يسمع عن أنشطة الحركة الكشفية سوى بعض الأعمال الإجتماعية المجزأة المتناثرة هنا وهناك، والتي تتم بمبادرة
احدىالفروع أو المحليات بعيدة عن التنظيم المواكب للقضايا، والبعيد عن الدخول في شراكات حقيقية تساهم في تقديم الكشافة خدمات جليلة للمجتمع، أو على الأقل الإهتمام ولو بجزء من قضايا التأطير التربوي الموجه للطفولة والشباب .
يًرجع بعض القادة الذين ساهموا لعقود على تدبير الشأن الكشفي ببلادنا أسباب ركود الجامعة الوطنية للكشفية المغربية إلى عدم توفر الحكومة المغربية على استراتيجية واضحة في مجال تأطير الشباب، ونحن نعتبر هذا الطر ح مغالطة كبيرة يحاولون من خلالها رمي أخطائهم على الآخرين، وبالخصوص على الدولة، وحسب رأينا المتواضع نرجع أسباب هذا الركود الذي يجب أن نسميه " فشل " نظرا لعدم قدرة الجامعة على التجاوب مع السياسة العمومية الراعية للعمل التربوي بصفة عامة، وعدم استيعابها للمقاربة التشاركية التي تنهجها الحكومة في شخص وزارة الشباب والرياضة، وعدم تفاعلها مع الاقتراحات والتوجيهات التي أتت من أعلى المسؤولين بالبلاد، ويمكن أن نقدم أبرز الملاحظات التي تؤكد هذا الرأي كالآتي :
• انغلاق الجمعيات الثلاث المكونين للجامعة على أنفسهم ؛
• عدم إيمانهم بالعمل الوحدوي رغم انضمامهم الجمعيات الثلاث للجامعة ؛
• سوء التدبير الناتج عن التناوب في المهام الجامعية ؛
• انحصار الأعضاء في انتزاع المكاسب لجمعياتهم في غياب الرؤية المستقبلية ؛
• تخبط الجامعة في مشاكل التوافقات التي لم تجد حلا نهائيا ؛
• غياب التقويم والمحاسبة والمساءلة سواء للأعضاء أو للجامعة ككل ؛
• عدم قدرة الجامعة بمكاتبها المتعاقبة على وضع خطة عمل قابلة للتنفيذ ؛
• عدم قدرتها على التجاوب مع المقترحات التي أدلي بها الأمير مولاي رشيد الرئيس الفعلي للجامعة لتطوير الحركة الكشفية ببلادنا دون تقديم أي تبرير مقبول.
إذا كانت هذه الأسباب التي لا يريد أعضاء الجامعة ورؤسائها المنتدبون الاعتراف بها.
وإذا عدنا للماضي القريب للتبع إخفاقات الجامعة، نقف على مجوعة محطات حاسمة، كانت تؤكد بالملموس الفشل المتواصل لمن (جتموا) على هذا التنظيم الشبابي.
المحطة الأولى :
تعود إلى بداية السبعينات، حيتما تم إعادة تكوين الجامعة، وإصدار ميثاقها الذي, صدر عن الجامعة بتاريخ 5 يوليوز 1974 والمصادقة على نص القانون الأساسي بتاريخ 29 نونبر 1979. كانت هناك تنظيمات كشفية موجودة، واكتفت الجامعة المكونة من المنظملت الثلاث بوضع القانون الأساسي دون التفكير في حل ناجع للتنظيمات الكشفية المتواجدة آنذاك. وتركتها خارج الجامعة تمارس نشاطها الكشفي، وهذا أمر يتعارض مع روح القانون الأساسي التي سنته الجامعة بهدف أساسي هو تنظيم وتقنين الممارسة الكشفية على الصعيد الوطني، وعدم تركه بيد أشخاص لايدركون هدف الحركة ومبادئها وطريقتها. لكنها بهذا التقنين وضعت حواجز يصعب تخطيها في وجه التنظيمات الجديدة. وهذا أمر لايخدم مصالح الشباب والطفولة الراغبين في ممارسة الأنشطة الكشفية.
المحطة الثانية :
نعود لخطاب جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، في خطابه بمناسبة المجلس الأعلى للماء الذي انعقد يوم الخميس26ماي 1988 تعرض فيه لقضايا مهمة اجتماعية واقتصادية تتعلق بالماء، تناول فيها قضايا الشباب الذين يريد منهم أن يكونوا طموحين، ينعمون بفيض الحياة وغنى الروح، وثقة الخلود، بالإضافة إلى أن يكونوا أقوياء مجدولي العضلات مفتولي السواعد في إطار النشاط الكشفي، الذي كان رحمه الله ينظر للحركة الكشفية على أنها من التنظيمات التي يمكن أن تحقق التنمية البشرية انطلاقا من الاهتمام بالفتية والشباب. ويرجع إلى الروح والفلسفة والمتعة التي تتميز بها التربية الكشفية، حيث قال : " فنحن الدين أدركنا حقيقة قيمة التربية الكشفية وعرفنا مصالحها وما في طياتها من نعم، نأسف عميق الأسف لكون أبنائنا وحفدتنا لا يعرفونها وربما لن يعرفوها.
بعد هذا الخطاب المعبر والدقيق لم تلتقط الحركة الكشفية المغربية الإشارة الضمنية التي وجهها بقوله : " وربما لن يعرفوها" بمعنى أن هناك احتمالين، يمكن أن لا يعرفوها، وهو الاحتمال الذي استبعده، وهناك الاحتمال الذي يدحض الاحتمال الأول، على أنها ستعرف انتعاشة وانتشار ومشاركة تليق بتاريخها وأهدافها. هذا الكلام وجه للمسؤولين على الحركة الكشفية آنذاك كي يبادروا إلى إنقاذ الكشفية من الضياع والانقراض، كي يشاركوا ويندمجوا في سياق التنمية الشاملة للبلاد. لم تنقرض الحركة لحد الآن، لكن دورها ظل باهتا، لكونها عرفت أخطاء عرضت مبادئها ومنهاجها وطريقتها للضياع والتلاشي المؤدي للانقراض لا قدر الله .
فكان من المفروض أن يتم التفكير في المستقبل و في الأجيال الحالية والقادمة، خصوصا وأن الوضعية الحالية تعاني صعوبات وإكراهات كثيرة، يتداخل في معاناتها أكثر من عامل، مما يزيدها تعقيداً وتشعباً، مما تحد شبابنا من مواكبة حاجيات العصر والتلاؤم مع متطلباته. ما قامت به الجامعة بعد هذه الإشارة القوية هو ربط تطوير الحركة بتوفير الإمكانيات المادية، ولم يتمكنوا من وضع مشروع تربوي، فكانت تلك الورقة التي سمتها الجامعة أنداك بالمشروع عبارة عن أرقام خالية من أي روح تربوية، لأنهم أغفلوا ما أشار ر إليه الملك الراحل : ...فلسفة الحركة وأهدافها وركزوا على الجانب المادي في تغييب لروح الحركة الكشفية.
المحطة الثالثة :
المناظرة الدولية الكشفية شباب بدون حدود، احتضن المغرب هذه المناظرة الدولية، واستقبل جلالة الملك الراحل الحسن الثاني أعضاء المكتب الدولي مرفقا بأعضاء المكتب الجامعي، ليعبر عن اهتمامه بالحركة الكشفية ودعمه الدائم لها، ووفرت الدولة ميزانية مهمة لتنظيم هذه الندوة كي تمر في ظروف جيدة، حضر ممثلوا الدول الأعضاء برئاسة المكتب الدولي برئاسة جاك موريو. لكن كيف كانت مشاركة المغرب في هذه الندوة ؟ ما قام به أعضاء المكتب الجامعي، ويمكن أن نقدم صورة عن دور الجامعة في الندوة من خلال النقط التالية :
• عدم تقديم المغرب لأي ورقة خلال الندوة ؛
• فوضى عارمة رافقت تدبير ميزانية الندوة ؛
• سوء تدبير عملية تحصيل الاشتراكات في الندوة التي عرفت فوضى عارمة سواء في تحصيل مبالغها أو في توزيعها .
لكن المهم هو ما بعد تنظيم الندوة، ما كان متوقعا هو الحركية التي أنعشتها الندوة في دم الجامعة، لكن سرعان ما عادت دار لقمان إلى ركودها فور انتهاء الندوة.
المحطة الرابعة :
تفضل صاحب الجلالة الملك الراحل الحسن الثاني بتنصيب الأمير الجليل مولاي رشيد رئيسا فغليا للجامعة الوطنية للكشفية المغربية، كان هذا الاهتمام المولوي لتقديم الدعم المعنوي للحركة الكشفية المغربية، ماذا قامت به أعضاء الجامعة لتكون الحركة الكشفية عند حسن ظن رئيسها الفعلي الأمير مولاي رشيد، الذي ما فتئ يدعو للوحدة، لمواكبة الطفرة النوعية الهامة التي تعرفها بلادنا، فمنذ سنة 1999 والجامعة تراوح مكانها، دون أن تقدم أي مبادرة في الموضوع، مع العلم أن الجامعة في شخص رئيسها توصل باقتراحات في الموضوع من طرف بعض القادة، دون أن يعرضها على المكتب الجامعي، لسبب بشيط أن الجامعة رافضة لكل اقتراح في موضوع الوحدة الكشفية.
المحطة الخامسة :
خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، ليؤكد دور الشباب في استكمال بناء صرح البلاد، حيث أكد أن : "فالأوراش الكبرى التي أطلقناها٬ لاستكمال بناء نموذج المجتمع المغربي المتميز٬ المتشبث بهويته٬ القائم على التضامن بين كل فئاته٬ لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بسواعد الشباب المغربي وإبداعاته٬ واستثمار طاقاته. فأنتم معشر الشباب٬ تشكلون الثروة الحقيقية للوطن٬ اعتبارا للدور الذي تنهضون به كفاعلين في سياق التطور الاجتماعي. فأنتم تتمتعون بكامل المواطنة٬ بما تعنيه من حقوق وواجبات٬ ومن انخراط إيجابي في التحولات التي يعرفها المجتمع٬ وذلك في تشبث بثوابت الهوية الوطنية٬ وانفتاح على القيم الكونية." ما ورد في هذا الخطاب كلام موجه بالأساس لمن يهم أمر الشباب، ومن بينهم التنظيمات التي تؤطر الشباب. فالحركة الكشفية كتنظيم شبابي (بغض النظر على تشتت مكوناته) يعتبر من بين تنظيمات المجتمع المدني الأكثر انتشارا بأغلب مناطق وجهات المملكة، لكن ما ينقصها سوى المساعدة والتوجيه والمواكبة، التي يمكن أن تحقق عن طريق الوحدة الكشفية .
لقد ركز الملك محمد السادس في خطابه بكل وضوح على إعداد الشباب المغربي للمساهمة في بناء حاضر ومستقبل البلاد،وهذا الإعداد يتطلب تظافر جهود كل الفئات العمرية، ومساندة بعضها البعض، عبر وضع الخطط والاستراتيجيات المؤدية لذلك حيث قال : "عندما نتطرق لموضوع الشباب فإننا نستحضر تحديات الحاضر وآفاق المستقبل٬ والحديث عن المستقبل يتطلب٬ فضلا عن التحلي بكل ما يلزم من النزاهة الفكرية لاستشرافه آفاقه٬ وضع الاستراتيجيات الكفيلة بإعداد شبابنا لغد أفضل.
كما أشار الملك في نفس الخطاب لما أولاه الدستور الجديد للمملكة من أهمية قصوى للديمقراطية التمثيلية والتشاركية بالنسبة لكافة المواطنين٬ ونص على إحداث مختلف آليات هذه المشاركة الفعالة في الحياة العامة للبلاد. ومن بينها الشباب الذين يشكلون لدى ملك البلاد الثروة الحقيقية للوطن. وقد سبق أن عزز الدستور المغربي الجديد دور العمل الجمعوي وتم وضع بنية رسمية لهيكلة عمله وإشراكه في تقديم الاقتراحات للانخراط في الحياة بروح وطنية، حيث نجد الفصل 170 : "يعتبر المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي،المحدث بموجب الفصل 33 من هذا الدستور،هيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة".
أين هي الجامعة من كل ما يقع من تغيير؟ على الأقل في مجال عملها التربوي .
وآخر إبداعات الجامعة ذلك الجمع العام الذي مر دون علم أغلب الجهات التي لها علاقة مع الحركة الكشفية، حيث اجتمعت حفنة من الأعضاء في قاعة صغيرة قي حيز زمني قياسي، حيث تم إعادة تقسيم الأدوار وقالوا والله أعلم أنهم ناقشوا التقريرين الأدبي والمالي، وقسموا الأدوار والمهام في سرية كأنهم لصوص يقسمون الغنائم فيما بينهم، وكأن هذه الجامعة تهم هؤلاء الأعضاء فقط، ونسي هؤلاء أن الجامعة ملك لكل الكشافة بالمغرب، وكان لزاما عليهم تعميم المعلومات المتعلقة بالجمع العام بكل مضامينه، لقد تم الجمع وطوي الملف وذهب كل عضو إلى حال سبيله دون محاسبة ودون مساءلة.
لقد أصبحت الإخفاقات المتتالية للجامعة الوطنية للكشفية المغربية صورة مرتبطة بها، ما جعل المتعاملين معها لديهم صورة نمطية عليها. إذ عرفت الجامعة الفشل في كل هذه المحطات دون أن تدرك أنها أصبحت صورة للجمود والتراجع عن المكتسبات. لأنها \اخلت بالتزماتها المنصوص عليها في الميثاق.
إلى متى سيظل الوضع على هذا الحال ؟
شاركه على جوجل بلس

الكاتب youssef

: من , ، ,ب ال

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق